نبذة عن حياة الشّيخ السيّد بديع الدّين أحمد قطب المدار رحمه الله تعالى

نسبه :
هو الشّيخ السّيّد العالم الجليل الوليّ الكامل العارف بالله التّقيّ النّقيّ بديع الدّين أحمد بن السيد عليّ الحلبيّ بن بهاؤ الدّين بن ظهير الدّين أحمد بن إسماعيل الثّاني بن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصّادق بن الإمام بن محمد الباقر بن الإمام زين العابدين عليّ بن الإمام الحسين بن عليّ رضي الله عنهم، كذلك يصل نسبه من أمه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ولادته ونشأته :
كانت أسرته النّبيلة الزّكيّة مما تنتمي إلى المدينة المنورة الّتي مضت بها مدة طويلة حتىّ إذا ثارت الفتنة الخوارجيّة الّتي أدّت إلى الفساد بين المسلمين آنذاك ، فاضطرّ أبوه عليّ إلى الهجرة منها إلى مدينة ” حلب ” من احدى مدن الشّام ( السورية ) ، حيث ولد السيد بديع الدين أحمد في قرية ” جنار ” يوم الاثنين الواحد من شهر شوال سنة 242 هـ.

ومما كان يدل على أنه كان وليّا صادقا منذ أن فتح عيناه الظهور من الأمور الخارقة من خلال حمله في بطن أمّه فقد ذكرت أمّه : أنّها ما كانت تشعر بما تشعر به المرأة الحاملة من الثقلة والمعاناة ، بل وإنما كانت تحسه نورا في بطنها نازلا إلى السرة مرة وصاعدا إلى الصدر مرة أخرى ، وربّما كانت تجد رائحة طيّبة نفيسة تعطر بها القلوب والعقول وترتع بها النّفوس والشّعور ، وبالإضافة إلى ذلك أنّها لا تستطيع أن تذوق شيئا اشتبه في حلّه وحرمته فضلا عن أن تأكله.

نشأ في بيت علم ودين ، وتربى في أسرة نهل أهلها من منهل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحذى حذوه وتثقّف بالثّقافة الإسلاميّة الطّاهرة الصافية من كل ما يعكر صفوة الإنسانيّة الشّريفة ، وهذّب نفسه بكل ما يزكّي قلبه من الكدرة والقسوة ، وحلّى خلقه بالأخلاق الحسنة ، فلما بلغ أربع سنوات وعدّة شهور من عمره بدأ الدّرس على يد علاّمة عصره وفريد دهره العالم النّحرير سديد الدين حذيفة الشّامي ، وأخذ منه كثيرا من العلوم والفنون ثم تلقى علوم القرآن والحديث والفقه وغيرها من العلوم النادرة : الهيميا والسيميا والكيمياء والريميا من كبار علماء الشام وجهابذتها أصحاب الخبرة آنذاك ، حتى تمهّر في العلوم الشرعيّة النقلية والعقلية قبل أن يبلغ رابع عشر من عمره ؛ لذكاوته الموهوبة وفطانته العطيّة الّتي أهّلته للدعوة إلى الإسلام وللدفاع عنه ، وكوّنته لإعلاء كلمة الحقّ فيمن أحاطت به الظلمة وغشّتهم الكفرة فأعمت أبصارهم وأصمّت آذانهم وغلّقت قلوبهم عن قبول الحق والصدق .

البيعة والخلافة :
لما تمكّن الشّيخ بأكمل تمكّن في العلوم الظاهرة بكلّ دقّة وعمق حتى اطمأنّ قلبه بأن له يدا طولى في فهم الدين وإفهامه لغيره شعر في نفسه ضعفا في معرفة الله تعالى وقربته إليه ، فمسّت له الحاجة إلى البحث عن وليّ كامل وعبد مخلص يقرّبه إلى الله ويزكّيه ويعلّمه الحكمة ، فخرج ماشيا في سنة 259 هـ ، بعد أن أخذ الطريقة من أبيه الجعفرية الحسينية والصديقية ملتمسا بحبل الله تعالى ومتوجها إلى الحرمين الشريفين من طرق أرض فلسطين ، فلما وصل إلى بيت المقدس التقى فيه بالسيد الشيخ سلطان العارفين با يزيد البسطامي رضي الله عنه ، فعرفه بالكشف وأدرك مطلوبه واطّلع على مرجوِّه فضيّفه بالإكرام والإنعام وأعطاه ما كان عنده من الخزائن الإلهية الربّانيّة والروحانيّة التي تنتفع بها الأمة وتفيض بهم للإخراج من الظلمات إلى النور ، ثم بايع على يديه ولبس الخرقة منه في الطرائق : البصرية ، الطيفورية ، الجعفرية ، الصديقية ، الحسينية ، العلمبردارية ، العلوية .

سفره إلى الهند :
بعد أن فاض قلبه بالروحانية الإيمانية وبالحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم استأذن من شيخه للقصد إلى بيت الله الحرام لأداء الحج الذي كلّف الله به الأمة الإسلامية من استطاع إليه سبيلا ، ثم بعد أن أتمّ فريضته زار قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو كان حريصا على الدعوة والإرشاد ومولعا بأمر التبليغ ونشر الإسلام الذي أدّاه إلى أن تشرّف بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم  في المنام الذي أشار فيه بأمر الدعوة والتبليغ في أرض الهند إعطاء له بالكرامات التي يحتاج إليها آنذاك ؛ لإثبات الحق فيها ، ولأن الناس في أقطار الهند كانوا يمرون بالزمن الذي عم فيه السحر والرقية والمشاهدة بالأمور الخارقة قبولا وطاعة لصاحبها ، فلتنفيد تلك الأمور الباطلة أظهر الله تعالى على يد الشيخ كثيرا من الكرامات التي أسهمت في دخول آلاف من الناس في الإسلام أفواجا وجماعة .

ومن أهمّ ما ينبغي أن يذكر أنه قال الشيخ عبد الحق المحدّث الدّهلوي في كتابه أخبار الأخيار : سيد بديع الدين أحمد مدار عجائب أحوال وغرائب أطوار أزوى نقل مي كنند ، غويند كه بدر مقام صمديت كه أز مقامات سالكان أست بود ، تادوازده سال طعام نه خورد ، ولباس كه يكبار بوشيده باري ديغر احتياج بتجديد وغسل أو نه شود ، أكثر أحوال برقه بزوكشيده بوده ، وغويند هر كه راه نظر بجمال أو أستاده بي اختيار سجود كرده ، سلسله أو بسبب كبر سني يا بوجه ديغر بنج وشش واسطه بحضرت رسالت مآب صلى الله عليه وسلم مي بيوند.

ترجمته :
 قد نقل عن السيد بديع الدين أحمد مدار أحواله العجيبة وعاداته الغريبة فيقال : إنه كان قد بلغ إلى منْزلةٍ حيث لا تَمسّه الحاجة إلى الأكل والشرب – وهي من أرفع منزلة من منازل الأولياء – ولم يأكل ولم يشرب شيئا من الطعام حتى اثني عشر عاما ، واللباس الّذي ارتداه مرة لم يحتاج إلى غسله أو تغييره مرة ثانية ، ويقضي أكثر أوقاته مستورا بالحجاب على وجهه لشدة نوره فيه ، ويقال : إنه لم ينظر أحد إلى جماله وحسن وجهه إلا أنه قد خرّ ساجدا لله تعالى بلا قصد واختيار. وسلسلته الطرقية تصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أو ستة واسطة لكبر سنه أو لوجه آخر .

 خرج الشيخ من المدينة عازما ديار الهند الممتلئة بالكفرة والفجرة ماشيا ببلاد مخلتفة من سمرقند ، بخارى ، طوس ، خراسان ، بدخشان ، بغداد ، وما إلى ذلك من كثير ، فلم يغادر أي بلد منها إلا وأنه ترك فيها أثرا كبيرا من خدماته ببناء المساجد والموعظة الحسنة والنصيحة القيمة الحافلة بالأحكام والأخلاق والآداب ، وكان خطيبا ناصحا فصيح البيان وجاذب القلوب التي حبّب الإيمان إليها وكرّه إليها الكفر والفسوق والعصيان ، واستمر على شؤونه حتى وصل إلى الهند وفاء بما عاهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة والإرشاد بدأ من ولاية ” كجرات ” إلى أكثر أنحاء الهند وأقطارها ، وظل يدعو الناس إلى كلمة الله تعالى والطريق المستقيم إلى مدة تمتد أكثر من خمسمائة عام ، ومن خلالها صدر منه كثير من الكرامات حسبما تقتضيها الأحوال والأوضاع ، وكلها مبنية على الحق مذكورة في الكتب والتراجم ، ثم استقر في آخر حياته في مدينة ” مكنفور ” الشريفة احدى مدن ولاية ” أترابراديش ” في شمال الهند وما زال مقيما فيها حتى وافته المنية في السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 838 هـ .

نسئل الله عزوجل أن يتغمّده برحمته ويرفعه في الجنة درجة وقدرا وأن يسلكنا على طريقته البيضاء وينفعنا به وبالتدبر في حياته آمين .

مآخذ ومراجع

1.    أخبار الأخيار للشيخ عبد الحق المحدّث الدهلوي

2.    مرآة الأسرار للشيخ عبد الرحمن الجشتي

3.      تذكرة المتقين في أحوال خلفاء السيد بديع الدين للشيخ السيد أمير حسن المداري المكنفوري

4.    اللطائف الأشرفية للشيخ المخدوم أشرف جهانغير

5.    سفينة الأولياء للشيخ داره شكوه

6.    الكواكب الدرارية في مناقب تنوير المدارية للشيخ محمد جاني بن أحمد قاعاني القادري

7.    آئنيه أكبري للشيخ ملا أبو الفضل

8.    ذو الفقار بديع للشيخ السيد أبو الوقار كلب علي الجعفري المداري المكنفوري

9.    جمال مداريت للشيخ الحكيم ولي شكوه الجعفري المداري

10.  تاريخ محمودي للشيخ ملا محمود

11.  غلستان مدار للشيخ السيد أحمد علي شاه عاشقان حيدرآباد

12.   مدار أعظم للشيخ الحكيم فريد الدين العباسي النقشبندي

13.   تاريخ مدار عالم للشيخ السيد محضر علي الوقاري المداري

محمد عارف بن عبد العزيز المداري

 كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة

Leave a comment

Name
E-mail
Comment